المسجد العمري
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدي شباب المسجد العمري بمدينة جباليا
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 أدب الزمان

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أبو حسين
عضو فعال
عضو فعال
أبو حسين


ذكر عدد الرسائل : 73
البلد : جباليا
المسجد : العمري
تاريخ التسجيل : 16/12/2007

أدب الزمان Empty
مُساهمةموضوع: أدب الزمان   أدب الزمان Emptyالأربعاء 02 يناير 2008, 1:48 pm

أدب الزمان


أدب الزمان، أو أدب الوقت مصطلح أطلقه بعض علمائنا القدامى على ما ينبغي أن يتحلى به الفرد من آداب وأخلاق، وعلى ما ينبغي أن يقوم به من أعمالٍ، ويقفَه من مواقف انسجامًا مع الزمان الذي يعيش فيه.
تتولد في كل زمان ظروف وأوضاع جديدة، وهي تتطلب نوعًا من الاهتمام الخاص والجدي بأمر من الأمور، أو الاهتمام بخُلق من الأخلاق.

أمثلة:
* يتطلب منا انتشار الجهل في بلد من البلدان أن نهتم بالعِلم، وحين يكون هناك اهتمام واضحٍ بالعلم لدى الناس فلسنا في حاجة إلى أن نتحدث عن إرسال الناس أولادهم إلى المدارس ما داموا يفعلون ذلك، لكن حين يَنتشر الجهل في أمة، فحين ذلك يكون من أدب الزمان ومن أدب الوقت أن نُركز على أهمية العلم في حياة الناس.

* عندما نكون في زمان أو في بيئة معينة ينتشر فيها الفقر، يكون من أدب الزمان حينئذٍ أن نحث الناس على العمل، وعلى كسب الرزق، وعلى اكتساب حرفة يعيش الناس من ورائها، ونحثهم على التدرب، وعلى اكتساب مهارة من المهارات.

* وعندما نكون في بيئة أو في زمان تقع تحت غزو ثقافي، وتخضع لوافدات ثقافية تفد على الأمة.. في هذه الحالة يجب علينا أن نشرح للناس كيف يوجِدون الحصانة الخلقية من تلك الوافدات؛ أي: نقوم بشرح واضح ومكثف لطبيعة تلك الوافدات التي تفد علينا، والأضرار التي يمكن أن تتركها، ونشرح للأمة كيف يكون في إمكانها أن تحضن نفسها من تأثير تلك الوافدات.

ينشغل الناس أحيانًا بالدنيا وبالمادة، وتأتي عليهم موجةٌ يصبح جل اهتمامهم فيها بالطعام والشراب، والحديث عن المطعم الفلاني، وهذا أطيب، وهذا أرخص، وهذا من البلد الفلاني، وهذا من كذا... في هذه الحالة يجب علينا أن نواجه هذه الموجة ليس بالاستسلام لها، وإنما أدب الزمان وأدب الوقت يوجِب علينا أن نجعل أنظار الناس باستمرار مشدودة نحو الهدف الجوهري من وجودنا على هذه الأرض، وهو كسب رضوان الله تعالى.

والسؤال الذي يطرح نفسه دائمًا:
كيف السبيل إلى معرفة أدب الوقت وأدب الزمان؟
كيف يستطيع الإنسان أن يعرف أن أولوية التصرف، وأولوية العمل، وأولوية الموقف في هذه المرحلة، وفي هذه البيئة هي كذا وكذا؟

هذا في تصوري سؤال وجيه وملح؛ لأن المشكلات أحيانًا تطوقنا من كل جانب، ولا يشعر كثير من الناس بأن هناك مشكلة، ويظنون أن الأمور طبيعية، لكن بعد مرور مدة من الزمان يشعرون أنهم صاروا في حالة شبه ميئوس منها، وتتولد أمراض خُلقية واجتماعية كثيرة، ولو انتبهوا إلى المشكلة التي هُم فيها من قبل لَما وصلوا إلى تلك الحالة.

أهمية القراءة

إن من جملة ما يساعدنا على معرفة أدب الوقت أن نقرأ، هناك الآن كُتاب كثيرون من كل الاتجاهات يتحدثون عن أزمات وعن مشكلات، وعن تحديات.. ونحن عندما نقرأ نكون على صلة بالكتاب وبالمجلة؛ أي: نَعرف فيم يفكر المثقفون، والأشياء التي يشعرون بأنها تُشكل مشكلة للناس في تلك المرحلة.

الاحتكاك بالعلماء

إن من جملة ما يساعدنا على معرفة أدب الوقت الاحتكاك بأهل العلم والأساتذة والسماع منهم: من تشخيصهم للأوضاع الحاضرة، من تشخيصهم للتحديات، من رؤيتهم للمستقبل، من حثهم للناس على أن يتصرفوا تصرفًا معينًا أو يسلكوا سلوكًا معينًا.. نستطيع أن نعرف بهذا السماع وبهذا الاحتكاك طبيعة الحالة من عمل.. والمحاضرات والأشرطة الصوتية والمرئية.. لها فوائد متنوعة أيضًا.

المقارنة

إن من جملة ما يساعدنا على معرفة أدب الوقت التأمل والتفكر؛ أي: أن نتأمل ونتفكر ونقارن بين ما نحن فيه الآن، وبين ما كنا عليه قبل عشرين أو ثلاثين سنة. نقارن أيضًا بين ما نحن فيه الآن، وبين ما فيه أمة مجاورة أو شعب مجاور لنا... نقارن حالاً بحال؛ لتتضح لنا الميزات الموجودة لدينا والميزات الموجودة لديهم، والنقائص الموجودة لديهم والنقائص الموجودة لدينا.

محاسبة النفس

إن من جملة ما يساعدنا على معرفة أدب الوقت محاسبة النفس على بعض الأخطاء، وبعض التصرفات؛ فالمحاسبة تضيء البصيرة، وتضيء الطريق أمامنا.

إن أدب الزمان هو أن نعيش زماننا على أفضل وجه ممكنٍ يرضي ربنا سبحانه وتعالى، وهذا هو خلاصة الموضوع؛ أي: أن نكتشف ما يقربنا من الله، وما يبعدنا عن غضبه: في لحظة ما، في ساعة ما، في موقف ما، في مرحلة ما.
<HR style="COLOR: #ff0000" SIZE=1>

حين نقول: هذه معاصرة أو هذه عصرية أو هذا إنسان يعيش زمانه، أو هذا إنسان يعرف كيف يعيش، أو هذا إنسان مُدرك لطبيعة المرحلة التي نحن فيها.. يظن كثير من الناس حين نطلق مثل هذه المصطلحات أن ذلك لا يعني إلا شيئًا واحدًا، وهو الضغط على أنفسنا للتلاؤم مع المستجدات، ولو أدى هذا الضغط إلى أن نتراجع قليلاً، أو أن نتخلى عن بعض القيم والمبادئ.. فإذا تلاءمنا مع المستجدات كنا جماعة عصريين، وإذا لم نتلاءم كنا رجعيين، أو متخلفين..!
هذا الكلام ليس صحيحًا بالتأكيد، وليس مقبولاً؛ لأنه ينافي الرؤية الإسلامية للحياة، وينافي الثوابت والقطعيات التي نؤمن بها.

علينا أن نفرق بين المعاصرة والعصرية:
المعاصرة: أن نبحث عن الجيد والمفيد، سواء أكان قديمًا أم جديدًا، وسواء أكان هذا الشيء الجيد عندنا أو عند الآخرين. وقد نعثر على هذا الشيء الجيد في حكمة قديمة، أو في نموذج قديم، وقد نعثر عليه في شيء جديد، وقد يكون هذا الشيء لدينا نحن، وقد يكون لدى أمة أخرى.

والمعاصرة تعني ألا نسير خلف كل جديد؛ لأن بعض الجديد خطأ، أو تخريب أو إساءة.
أما العصرية: فهي أن يعيش الإنسان عصره حسب المفهوم الخاطئ الذي ذكرناه قبل قليل.

إذًا أدب الزمان أو أدب الوقت يعني أن ننطلق في مواقفنا –في تصرفنا في سلوكاتنا في علاقاتنا- من أمرين:
الأخلاق والآداب، والمفاهيم الإسلامية، وما يلاءم تلك الأخلاق والآداب، وما يتماشى معها من متطلبات الزمان الذي نعيش فيه.

هناك أخلاق وآداب ومفاهيم تشكل ثوابت، وتشكل إطارًا للحركة، وتشكل إطارًا للتفاعل.. نحاول داخل هذا الإطار أن نستجيب لمتطلبات زماننا، ستكون الإجابة لمتطلبات الزمان دائمًا محدودة، ولن تكون مطلقة، بل مقيدة، والذي يقيدها هو الثوابت والآداب والأخلاق والمفاهيم والعقائد التي نؤمن بها.

نحن –كما يرى بعض الباحثين- نعيش في ظل أول حضارة عِلمانية في تاريخ البشرية لا تؤمن بوجود الله عز وجل، ولا تقيم لتعاليمه أيَّ وزن، وهي أول حضارة يتحدث الناس فيها عن حقوق الحيوان، وعن حقوق البهائم، وعن حقوق الطبيعة، وعن حقوق الجماد.. لكن حقوق الله عز وجل ليس هناك من يتحدث عنها، بل هناك من يستحي من أن يجري على لسانه كلمة "الله"!

لهذا فمن المتوقع أن نلاقي في هذا الزمان الذي نعيش فيه الكثير من الأشياء التي لا تليق بنا، والكثير من الأشياء التي تناسبنا، والتي علينا أن نقف منها موقفًا صُلباً وقويًا.
وفي هذا الكتاب سأستعرض بعض ما أظن أن علينا أن نهتم به، وبعض ما علينا أن نحمي أنفسنا منه، ودائمًا هناك شيء نقاومه، وندفعه، أو نتخلص منه، وهناك شيء نهتم به، هناك شيء نقتنيه، وهناك شيء ننميه في حياتنا.
ولا شك في أني لا أستطيع أن أذكر كل ما ينبغي ذكره، وما يتسع المقام للتفصيل في كل ما يحتاج إلى شرح وتفصيل، فلنقتصر إذًا على ما نظن أنه مهم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أبو حسين
عضو فعال
عضو فعال
أبو حسين


ذكر عدد الرسائل : 73
البلد : جباليا
المسجد : العمري
تاريخ التسجيل : 16/12/2007

أدب الزمان Empty
مُساهمةموضوع: رد: أدب الزمان   أدب الزمان Emptyالأربعاء 02 يناير 2008, 1:49 pm

يتبع.......................
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أبو حسين
عضو فعال
عضو فعال
أبو حسين


ذكر عدد الرسائل : 73
البلد : جباليا
المسجد : العمري
تاريخ التسجيل : 16/12/2007

أدب الزمان Empty
مُساهمةموضوع: رد: أدب الزمان   أدب الزمان Emptyالأربعاء 02 يناير 2008, 1:51 pm

ولا شك في أني لا أستطيع أن أذكر كل ما ينبغي ذكره، وما يتسع المقام للتفصيل في كل ما يحتاج إلى شرح وتفصيل، فلنقتصر إذًا على ما نظن أنه مهم.
(( يبدا الدكتور البكار هنا في عرض أداب الزمان والوقت الذي نعيش... وسوف نعرض كل بند بشكل منفصل حتى نحاول الوقوف على بعض القضايا الدقيقة... فاتن ))

الترف


من أدب الزمان أن نحمي أنفسنا من فنون الترف والإسراف واللهو التي باتت تنتشر بين الناس.
تأتي مع التقدم الحضاري فنون جديدة من الترف، وينشغل وعي الناس بالابتهاج بهذه الأشياء الجديدة، ويتمادون في رغباتهم، وينسَون الضوابط الأخلاقية؛ أي: ينسون ما أمرنا به من حسن تدبير، ومن حسن توجيه للمال الذي نحن مؤتمنون عليه ومسؤولون عنه أمام الله تعالى... ينسى معظم الناس حُسن توجيه هذا المال، وحسن التصرف معه، وحسن التدبير، ينسون حق الله فيه، ويصبح الهم المسيطر هو كيف نكتشف أساليب جديدة للاستمتاع، وكيف نكتشف أساليب جديدة لإنفاق المال، وكيف نُفاخر في صرفه في وجوه مختلفة!
وصار الوقت عند كثير من الناس عِبئًا عليه، فهو يبحث عن أسباب للفرار من ذلك الوقت!

إن هذه الدنيا دار ممر، لا دار مقر، وهذه الحقيقة هي أكبر حقيقة في الرؤية الإسلامية بعد حقيقة وجود الله، والإكثار من أثاث الدنيا ومن ألوانها ورفاهيتها سيصرف انتباهنا عن الآخرة وعن الاستعداد لها.. مع أن الآخرة هي المقر النهائي، وهي المحطة الأخيرة التي لا أقول يتوقف عندها القطار، بل التي سيُعطل عندها القطار، أو سيختفي عندها القطار.
يقول الله تعالى: {يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور}[فاطر: 5].
وقال عليه الصلاة والسلام: "مما أخاف عليكم من بعدي ما يُفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها".
فالذي يقلق النبي صلى الله عليه وسلم ويُخيفه هو أن الأمة حين ستفتح عليها الكنوز وتفتح عليها الخيرات فإن قسمًا من أبنائها سوف يفهمون هذه النعمة التي جاءتهم فهمًا خاطئًا، ويفسرونها تفسيرًا خاطئًا، وبالتالي سوف يتعاملون معها التعامل الخاطئ الذي لا يليق بشخصٍ ينتسب إلى أمة الإسلام.
إننا نحتاج في تعاملنا مع متاع الدنيا وزينتها إلى التوازن، ونحتاج إلى الحذر من الانجرار إلى الترف. والتوازن دائمًا هو الشيء المفقود، وهو الشيء الذي نسعى إليه ولا نقبض عليه.
نحن لا ندعو إلى أن يعيش الناس في قلة وتضييق على أنفسهم من أجل النجاح في الآخرة..لا، فالله تعالى يقول: {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين} [الأعراف: 31].
فالإنسان عليه أن يتمتع ويأكل ويشرب وينفق ويهدي ويترفه.. لكن عليه أن يشعر بأن هذه الأشياء يجب أن تتوقف عند حدود، وأن الإنسان مهما أوتي من مال فجزء من هذا المال يصرف على التمتع فقط، ويصرف الجزء الآخر منه للاستثمار وللتنمية فيما يرضي الله تعالى.
شبه بعض أهل العلم مسيرة الدنيا في هذه الحياة بالذي يخوض ويمشي في الطين، فأكبرُ هَمّ الذي يمشي في الطين ألا يتجاوز الطين قدميه إلى ساقيه أو ركبتيه، فهو يعرف أنه لا بد من أن يتلوث، لكنه يحاول باستمرار ألا يصيبه إلا أقل قدر من التلوث.
قال بعض الحكماء: غض طرفك عن الدنيا... أي: إذا رأى الواحد منا شيئًا يفتنه أو يغريه، أو إذا أرادت نفسه أن تحدثه بحسد فلان، أو بمنافسة فلان، أو بحمل شيء في النفس على فلان؛ لأنه أوتي شيئًا من الدنيا، ويبدأ بعد ذلك بلوم نفسه، وبلوم القدر.. في هذه الحالة عليه أن يتجاهل ما يراه، وأن يمر كأنه لم يراه، أو كأنه شيءٌ لم يكن.

نحن اليوم في حاجة إلى أن نحفظ أنفسنا من الغرق في الجزئيات، والهموم اليومية، والنجاح في الأمر الفلاني، وقضاء الواجب الفلاني، وإصلاح الشيء الفلاني.. مع العلم أن الحياة لا تمضي إلا بهذا، لكن هناك فرق كبير بين من يقوم بهذه الأمور وهو محافظ على الصورة الكلية لنشاطه، والصورة الكلية لأهدافه، وواجباته، والصورة الكلية للشيء الذي ينبغي أن يمنحه جلّ وقته وجلّ اهتمامه.. وبين من يغرق في تلك الأمور.
ومثال هذا كرجل يمشي بسيارته في طريق سريع، ومر بتحويلة، وهذه التحويلة قد تكون ميلاً أو ميلين أو خمسة أميال...
لو تساءلنا: ما الذي يسيطر عليه وهو يسير في تلك التحويلة؟..
لا يسيطر عليه الانشغال بتلك التحويلة، وأنها ستكون إلى منتهى الطريق، ويبدأ يفكر كيف سيتعامل معها..لا.. إن وعيه وانتباهه كله منشدٌّ إلى الطريق العام الذي حول وحاد عنه، وهو ينتظر اللحظة التي سيعود فيها إلى ذلك الطريق العام الذي تحول وانشغل عنه في وقت من النهار.. هذا الطريق العام هو الآخرة، وهو الفوز برضوان الله عز وجل.

ويمكن أن نقول إنه أيضًا حساب اللحظة التي سنُغادر فيها هذه الدنيا.
ونحن في خِضم أشغالنا اليومية علينا ألا ننسى أبدًا أننا لسنا هنا في دار خلود، أو دار راحة، أو دار يطمأن إليها، فقد يكون الإنسان ماضيًا في شيء فيُصاب بمصيبة تُغير مجرى حياته، أو يصاب بمصيبة الموت، ويقفل ملف هذه الحياة كلها، ويفتح ملف جديد..
نحن محتاجون إلى أن نعطي الدنيا حقها في إطار عدم تضييع حق الآخرة.. ولكن هذا الإعطاء هو من منظور معين، وضمن إطار معين وقيود معينة.. هذا الإطار الذي من خلاله نعطي أنفسنا، ونعطي الناس، ونعطي مصالحنا حقها وما تتطلبه منا من اهتمام.. هذا الإطار هو عدم تضييع حق الآخرة.
ونكون بخير عندما نعطي الدنيا من الاهتمام قدر ما تستحق، وعندما نعطي الآخرة أيضًا قدر ما تستحق.

هذه الدنيا في الرؤية الإسلامية مهما طالت فإنها ستبقى قصيرة جدًا، ولو عاش الإنسان مئة سنة في قوة ونشاط وهمة ونجاح.. لو قارنا هذه المدة بمدة الحياة الآخرة، ولو قارنا حياة معذبة هنا في الدنيا بعذاب جهنم، وقارنا لا من حيث الكيف، بل من حيث المدة، ولو قارنا هنا حياة منعمة بحياة النعيم الأبدي في جنات الخلد.. حينئذ سننتهي إلى أن هذه الدنيا التي نعيشها بملذاتها وشقائها وخيرها وشرّها جزء ضئيل جدًا، وربما يصل في النهاية إلى العدم التام.
من المؤسف أن هذه القضية قد غابت عن أذهان بعض المسلمين، غابت النقطة المهمة جدًا وهي أن هذه الدنيا هي دار ممر، وأن علينا أن نتعامل معها في إطار تعاليم الإسلام.

هناك أسرة مكونة من خمسة أشخاص: أب وأم وثلاثة أولاد، تستهلك هذه الأسرة –مع الأسف- من الماء والكهرباء عشرة أضعاف ما تستهلكه أسرة في البلد نفسه، والمكان نفسه، ولها عدد الأفراد نفسه..!
وسبب هذا التصرف الشاذ هو عدم وجود الاهتمام، ونسمعهم يقولون: "نحن قادرون على بذل المال، وما دمنا قادرين فلماذا لا نتمتع..!" وكأنهم لا يعرفون أنهم سوف يُسألون عن هذا الإسراف والتبذير، وكأنهم لا يعرفون أن الدولة تنفق أموالاً هائلة حتى تؤمن الماء والكهرباء بأسعار يستطيع الفقير أن يدفعها. فهناك أفرادٌ كثيرون ليس عندهم إحساس أو شعور بالمسؤولية..!
تحتاج هذه النعم التي أفاضها الله علينا إلى أن نشعر بمسؤوليتها، وإذا لم نشعر بمسؤوليتها نتصف حينئذ تصرف من لا يرعوي، ومن لا يقدر النعمة، ومن لا يقيم لها أي وزن، ومن لا يتذكر أبدًا أن هذه النعمة في النهاية محدودة، ويجب أن نحافظ عليها.



أدب الزمان Chinaenvo2
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أبو حسين
عضو فعال
عضو فعال
أبو حسين


ذكر عدد الرسائل : 73
البلد : جباليا
المسجد : العمري
تاريخ التسجيل : 16/12/2007

أدب الزمان Empty
مُساهمةموضوع: الجفاف الروحي   أدب الزمان Emptyالأربعاء 02 يناير 2008, 1:53 pm

الجفاف الروحي


من جملة أدب الوقت أو أدب الزمان أن نحميَ أنفسنا من الجفاف الروحي الذي تشعر به الأمة، إني أشعر بأن التفكير لدينا يتحسن، والوعي لدينا يتحسن، وإدراك الناس لمصالحهم لا يحتاجون فيه إلى توصية؛ لأن التقدم الحضاري هو نفسه يزيد من درجة وعي الناس لمصالحهم، وبيوتنا تلمع، وسيارتنا تلمع، وأثاثنا يلمع، وهناك اهتمام بالمظهر.. لكن عندنا أمر هو أقرب إلى أن يكون جانبًا مُهمَلاً، ومن أدب الزمان أن نهتم بهذا المهمل عندما يكون في مقام أو في درجة الروح وما تتطلبه منا؛ لأن سعادة الإنسان في داخله، وليست في الأشياء التي تحيط به، سعادته في هذه الصلة مع الله، وبعضنا يصرف من وقته ومن انتباهه ومن جهده ومن ماله الشيء الكثير في سبيل تحسين مظهرٍ لديه، أو تحسين وضعه المادي، لكن الوضع الروحي مع الأسف لا يلقى أي اهتمام!..

وحين تكون فكرة التوازن حاضرة في أذهاننا، فإننا سنستطيع أن نتلمس الجوانب المعطوبة في حياتنا، ونحاول ترميم هذه الجوانب وإصلاحها
.

كان الناس قديمًا يعيشون في أحياء صغيرة ضيقة، وكان كل حي أسرةً واحدة، لذا فإن من الطبيعي أن يكون التلاحم سائدًا بينهم، ومشاغل الناس أيضًا كانت قليلة، فكانوا يقضون معظم أوقات الفراغ معًا.. لكن هذا كله تغير الآن، فقد بدأ التفكك الاجتماعي يسري في الأمة، وصار الارتباط بمكان مسقط الرأس وبمكان النشأة في أوهى حالاته.
ومهما كان الإنسان يحب المدينة الذي نشأ فيها، ومهما كان مرتبطًا بها، فسنجده يترك مدينته الحبيبة أمام أول وظيفة مرموقة ممتازة تأتيه من بلد آخر، وإذا لم يذهب فسوف يجد أعدادًا كبيرة من الناس تلومه على بقائه في بلده.. هذا البلد الذي أحبه.
توجد عوامل كثيرة جعلت بين الناس نوعًا من التباعد، ولا نستطيع أن نُدير عقارب الساعة إلى الأمام، ولا نستطيع أن نقول: سنُعيد تنظيم الحياة من جديد ليعيش الناس في أحياء ضيقة؛ فهذا شيء غير ممكن، لكن نستطيع من خلال اللقاءات الدورية تعميق التلاحم، فقد وجدت بعض الأسر حلاً جميلاً عندما اشتروا بيتاً أو استأجروه؛ ليجعلوا منه مكانًا يلتقون فيه كل أسبوعين.. إن هذا شيء جيد إذا لم يكن هناك أي بديل آخر، وفي الغالب ليست هناك بدائل أخرى.
إن كل ظاهرة من الظواهر، وكل مشكلة من المشكلات إذا قابلناها بوعي وبفهم وأدركنا الأضرار التي جاءت بها فسوف نبحث لها عن حل،
وسوف ننشئ تنظيمًا جديدًا لحياتنا ولعلاقتنا.. وهذا التنظيم سيتلافى القصور الذي حدث بسبب تطور الحياة الاجتماعية الجديدة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أبو حسين
عضو فعال
عضو فعال
أبو حسين


ذكر عدد الرسائل : 73
البلد : جباليا
المسجد : العمري
تاريخ التسجيل : 16/12/2007

أدب الزمان Empty
مُساهمةموضوع: رد: أدب الزمان   أدب الزمان Emptyالأربعاء 02 يناير 2008, 1:54 pm

ضعف الانتماء

من أدب الزمان، ومن الأشياء التي ألاحظها والتي تحتاج منا إلى اهتمام هي قضية الشعور بالاغتراب، ولا أعني هنا أن يعيش الإنسان في بلد غير بلده، لكن الذي أقصده هو ضعف الانتماء.
لقد أصبح الانتماء لدى بعض الناس ضعيفًا، فليس لهم انتماء لوطن، أو لقوم، أو لدين، أو لأمة..! وبعضهم يعمل في عمل عشرين سنة، ويجني من ورائه ثروة، ويحقق اسمًا و و و.. وهو لا يشعر بالانتماء إلى هذا العمل الذي أخذ منه الكثير والكثير.

مثلاً: صارت كلمة الأخوة بالنسبة لكثير من الناس في حياتهم اليومية فارغة المضمون؛ لأنها لدى معظم الناس لا تُرتب على هذا الفرد أي حق لإخوانه، ولا ترتب عليه أن يتوقف ولو قليلاً ليسأل عن أوضاع فرد، أو عن حاله.. ليفكر الواحد منا وليتأمل في أوضاع إخوة في بلدان أخرى يتعرضون للاضطهاد، وهم في حالة بائسة، ويحتاجون إلى أشكال متنوعة من المعونة.. لا يخطر لدى أكثرنا في باله شيء من هذا، بل نجد أن جيرانه الذين معه في البناء نفسه، أو في الحي نفسه، أو في الشارع نفسه، لا يشعر نحوهم بأي مشاعر، بل ربما تكون مشاعره سلبية، فقد يشعر بمضايقتهم، ويشعر بالمشكلات، وأنهم يُعكرون عليه صفوه..! أما أن يشعر بالحقوق التي تُرتبها الأخوّة فهذا ضعيف لدى أكثرنا في هذا العنصر.. إن هذا يولد الاغتراب لدى الأمة ولدى الناس.
قد صارت وحدة الأمة، وحدة المصير، وحدة الهدف المشترك.. أشياء باهتة في نظر الناس، ولا تعني لهم همًّا، ولا هاجسًا، ولا تعني شيئًا.! أشياء كأنها كانت كلمات ذات معنى، وإذا أردت أن تعرف معناها فعليك أن تعود إلى المعجم، أما في حياة الناس فربما لا تجد لها أي تفسير، ولا تجد لها أي معنى.
إن هذه الأشياء تحتاج منا إلى أن نفكر فيها؛ لأن أدب الزمان يقتضي أن نعيد الألق، ونعيد اللمعان، ونعيد الاهتمام بالأشياء التي تخبو بسبب التحولات الاجتماعية والحضارية التي تحل في بلادنا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أبو حسين
عضو فعال
عضو فعال
أبو حسين


ذكر عدد الرسائل : 73
البلد : جباليا
المسجد : العمري
تاريخ التسجيل : 16/12/2007

أدب الزمان Empty
مُساهمةموضوع: رد: أدب الزمان   أدب الزمان Emptyالأربعاء 02 يناير 2008, 1:58 pm

المبالغة والكذب

من أدب الزمان ومن أدب الوقت أن نحمي أنفسنا من المبالغة والكذب من أجل الدنيا، ومن أجل المزيد من المصالح.
يسري الكذب الآن في الأمة على نطاق واسع جدًا، بسبب أو من دون سبب، وأحيانًا لمصلحة ونصف مصلحة وربع مصلحة ولغير مصلحة، ونجد مبالغاتٍ هائلةً في المديح، ومبالغاتٍ هائلة في الذم، وذكرًا لميزات كثيرة في أشخاص وسلع وفي مواقف وفي أشياء.. هذه الميزات ليس لها رصيد من الحقيقة، ولكنه الداء الذي سرى في الأمة: داء الكذب، وداء المبالغة.
ويُنفق سنويًا أكثر من 400 مليار دولار على الدعاية والإعلان في العالم، وهذه كلها جعلت الوعي يتآلف مع المبالغة؛ لأن الدعاية والإعلان في معظم الأحيان تقوم على هذا، تقوم على المبالغة، وعلى الكذب، وعلى أوهام، وعلى ذكر أشياء غير موجودة، وتنطوي على درجة ما من مخالفة الحقيقة.
نحن في حاجة إلى أن نحمي الوعي والسلوك والموقف، ونحمي الأطفال أيضًا من هذا الداء الذي ينتشر، وإذا لم ننتبه لهذا الداء فلن نكون معاصرين، ولن نستطيع أن نقول: إننا نعرف أدب الوقت وأدب الزمان الذي نعيش فيه.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أبو حسين
عضو فعال
عضو فعال
أبو حسين


ذكر عدد الرسائل : 73
البلد : جباليا
المسجد : العمري
تاريخ التسجيل : 16/12/2007

أدب الزمان Empty
مُساهمةموضوع: رد: أدب الزمان   أدب الزمان Emptyالأربعاء 02 يناير 2008, 1:59 pm

الاهتمام بالقراءة


لو عدنا إلى قرنين أو ثلاثة قرون من الزمن لوجدنا أن اهتمام العالم كله بالقراءة كان محدودًا، فالأهمية كانت فاشية في كل مكان في العالم، وقد تصل إلى 95% وكانت العلاقة بين كسب الرزق وبين ما لدى الإنسان من العلم علاقة واهية، وكان القدماء إذا رأوا أديبًا فقيرًا يقولون: أدركته حرفة الأدب؛ لأنه من النادر أن تجد أديبًا ثريًا، فمن أين يأتي الثراء لرجل لا يملك إلا أن يقول كلمتين، أو يكتب كلمتين، أو ينشد بيتين، فهذا لا يُطعم خبزًا في نظر معظم الناس.. أما الآن فإن الوضع قد اختلف.
ومن الواضح أن الأمم التي تصنع الحضارة هي التي تضع الشروط والتفاصيل للآخرين، وهي التي ترسم مخططات الحياة لمعظم الناس.

وجعل العالم المتقدم من العلم أساسًا للقوة والتقدم والغنى، وبالتالي لن تستطيع أي أمة جاهلة أن تتقدم وتزدهر عمرانيًا، ولن تستطيع أن تمتلك أسباب القوة، ولن تستطيع أن تصبح غنية.. لأن كل هذا يحتاج إلى العلم، وهذا واضح في ديننا؛ فأول كلمة في كتاب الله: {اقرأ باسم ربك الذي خلق* خلق الإنسان من علق* اقرأ وربك الأكرم* الذي علم بالقلم* علم الإنسان ما لم يعلم} [العلق: 5].

فما معنى أن يكون الأمر بالقراءة إلى رجل –عليه الصلاة والسلام- لا يعرف القراءة الكتابة، وفي بيئة يغلب عليها طابع الأمية ولا عهد لها بالبحث العلمي، ولا عهد لها بالجامعات، وكان الخط العربي حتى وقتها غير ناضج؛ لقلة الكاتبين؟!.
إن هذا يعني أن العلم والقراءة مفتاح لحضارة جديدة، ومفتاح لمرحلة جديدة. فمن أدب الوقت في عصرنا أن نهتم بالقراءة، وأن نهتم بالكتاب، نهتم بإقامة المكتبات المنزلية.
إن معظم حديث الناس يتمحور حول البطالة.. وليس هناك شك في أنها مشكلة مؤرقة، ويجب أن نهتم بها، لكن في تصوري أن إعراض الناس عن الكتاب، والمطالعة، وعن القراءة بنهم وبشغف وباستمرار وباهتمام..أخطر من البطالة والفقر.. وهو أخطر من إدمان المخدرات.. وهو أخطر من الطلاق الذي ترتفع وتيرته في كثير من مجتمعاتنا.. لأن المفتاح لحل كل هذه المشكلات هو العلم.. والتثقف الجيد هو الذي يساعدنا ويساعد الأمة على أن تحل كل هذه المشكلات التي أشرت إليها.

لنأخذ مثلاً قضية إدمان المخدرات أو البطالة: ففي مجتمعات كثيرة تجد نسبة البطالة: 15% أو 20% أو 25% وهذه نسبة عالية بالتأكيد، ونسبة الذين يتناولون مخدرات تبقى في مجتمعاتنا أحسن من غيرها؛ فقد تكون مثلاً 2 بالألف، أو 3 بالألف، أو 5 بالألف، أو 10 بالألف..
لكن مشكلة الإعراض عن الكتاب، وعن القراءة، وعن المطالعة، وعن تخصيص وقت للقراءة، وعن تسيير حياتنا وفق المنهج العلمي ووفق المعرفة.. هذه المشكلة ليست في اثنين أو ثلاثة في المئة من أبناء الأمة، بل تصل إلى 80% أو 90% من أفراد أمتنا..!

قال أحدهم: ما الفارق بين إنسان أمي لا يقرأ ولا يكتب، وبين إنسان قادر على القراءة والكتابة لكنه عمليًا لا يقرأ ولا يكتب..؟
كلاهما لا يفتح كتابًا، وكلاهما ليس عنده مكتبة، وهما لم يجعلا من العلم أساسًا في حياتهما لاكتساب التقدم والغنى والقوة والفهم وحسن التعامل و و و.. فهما سواء.
ولذلك عندما نقول: إن 80 أو 90% من أفراد أمتنا معرضون عن الكتاب فمعنى ذلك أن لدينا مشكلة هائلة، وهو مثل قولنا: إن شعبًا من الشعوب نصف أبنائه جياع.. فكم تكون المشكلة؟ إنها مشكلة هائلة بكل ما تعنيه الكلمة، ولا يدرك حجم هذه المشكلة إلا المثقفون.
إن جهلنا يزيد، ليس بسبب أننا لا نقرأ، لكن بسبب أن المعرفة تتضاعف.
قال بعض العلماء: تتضاعف المعرفة كل عشر سنوات. وهذا بالتأكيد حسب التقدير وحسب المعيار، وبعضهم يقول: تتضاعف كل عشرين شهرًا. فالشاهد أنه إذا كنت الآن أعرف واحد على الألف من معارف العالم –وهذه نسبة متفائلة بالتأكيد- فبعد عشر سنوات سيصبح ما أعرفه واحد على ألفين، أو واحد على خمسة آلاف.. وهذا يؤكد أن جهلنا يزيد.

والفارق هائل بين مدمن القراءة وصديق الكتاب، وبين المعادين للقراءة، كما قال تعالى: {هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون} [الزمر: 9]، فلا بد من طرح مشروع وطني للقراءة، ولا بد من إنشاء مكتبة عامة في كل حي وقرية ومدينة، وفي كل مكان.. ولا بد من إحداث هيئات من أصدقاء الكتاب الذين ينشرون العلم، ويحتفون بالكتاب، ويلخصونه، ويقيمون حوارات حول الكتاب.. هذا المشروع يجب أن يكون في كل بلد، يساهم فيه الأغنياء، وتدعمه الدول؛ لأن مشكلة الإعراض عن العلم مشكلة كبيرة في كل زمان، لكن في هذا الزمان المشكلة بالنسبة إلينا أكبر وأهول.

ويكفي أن يقرأ الإنسان في البداية نصف ساعة كل يوم على نحو مكثف ومركز، ثم يزيد المدة رويدًا رويدًا.. ومن يقرأ كل يوم ساعتين فهذا شيء راقٍ جدًا، وله نتائج هائلة في تغيير ذهنيته، وفي تغيير سلوكاته، وفهمه للحياة، وتعامله مع المشكلات، وفي تربيته لأولاده، وفي إتقانه لعمله.. فالعلم يترك بصماته وآثاره وفي أكثر جوانب الحياة، وهو تغيير بثقة، وتغيير لنوعية الحياة نحو القمة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أبو حسين
عضو فعال
عضو فعال
أبو حسين


ذكر عدد الرسائل : 73
البلد : جباليا
المسجد : العمري
تاريخ التسجيل : 16/12/2007

أدب الزمان Empty
مُساهمةموضوع: رد: أدب الزمان   أدب الزمان Emptyالأربعاء 02 يناير 2008, 2:00 pm

الاهتمام بالعناصر الضعيفة


من أدب الوقت الاهتمام بالعناصر الضعيفة في المجتمع، إن وجود الأيتام الفقراء والمرضى والأرامل والمعاقين وذوي الظروف الصعبة.. طبيعي في كل المجتمعات، وهو محور ابتلاء لنا أيضًا.
قد ابتلى الله عز وجل اليتيم باليتم، وابتلى الفقير بالفقر، وابتلى المريض بالمرض، والمعاق بالإعاقة.. وابتلى أيضًا الأصحاء الأقوياء الأغنياء بهؤلاء؛ ليرى جل وعلا كيف يتصرف الناس بما منحهم من الصحة والمال والوقت والطاقة والقوة، وليرى كيف يزكون هذه النعم، وكيف يحمدون الله عليها.
ولنصغِ إلى قول الله عز وجل: {عيناً يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرًا* يوفون بالنذر ويخافون يومًا كان شره مستطيرًا* ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيمًا وأسيرًا* إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكورًا* إنا نخاف من ربنا يومًا عبوسًا قمطريرًا* فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورًا* وجزاهم بما صبروا جنةً وحريرًا} [الإنسان: 12].
وما أجمل قوله عليه الصلاة والسلام: "الساعي على الارملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله " واحسبه قال "وكالقائم الذي لا يفتر وكالصائم الذي لا يفطر" متفق عليه.

فالذي يخدم أرملة، وينفق عليها، ويساعدها في ظروفها، وفي العناء الذي تلاقيه، أو يفعل هذا مع مسكين.. هو مثل المجاهد في سبيل الله، ومثل القائم المصلي الذي لا يفتر، ومثل الصائم الذي لا يفطر.
وقال صلى الله عليه وسلم: "كافل اليتيم له أو لغيره –أي سواء كان هذا اليتيم قريبًا له أو كان اليتيم ليس بقريب- أن وهو كهاتين في الجنة" وأشار الراوي وهو مالك بن أنس رضي الله عنه بالسبابة الوسطى، فكافل اليتيم مصطحِب للنبي في الجنة كاصطحاب الإصبع السبابة للوسطى.

سمعت مجموعة من الفتيات بهذا الحديث، ورغبن في الأجر، وقلن: لماذا نحاول أن نفعل شيئًا للأيتام والمرضى؟. وفعلاً ذهبت مجموعة منهن إلى دار للحضانة، حيث هناك الأطفال المحرومون من نعمة الأبوة والأمومة، وأخذن معهن هدية لكل يتيم ولكل مقيم في تلك الدار، مع شيء من الورد، وهناك بدأن يلاعبن هؤلاء الأطفال الصغار ويوزعن الهدايا، وأقمن لهم مسابقة ثقافية.. شعر هؤلاء الأطفال بأنهم يعيشون في مجتمع يحس بهم، وأنهم ليسوا كما يقولون مقطوعين من شجرة: لا أب ولا أم ولا أقرباء.. بل شعروا بقمة الاهتمام.. وسرت المشرفات في تلك الدار سرورًا بالغًا للأثر الذي حدث نتيجة هذه الزيارة، وطلبن من البنات أن يكررن هذه الزيارة حتى لو لم يكن هناك هدايا أو نفقات.. لأن المهم أن يشعر هؤلاء الذين يعيشون في ظروف صعبة –من حيث الناحية المعنوية- بشيء من الاهتمام.

هذا الاهتمام بالعناصر الضعيفة في المجتمع هو ليس لإفادة الآخرين فقط، بل هو أولاً لنستفيد نحن.. فنحن نريد أن ننمي الخير في أنفسنا، نريد لشجرة البر أن تنمو في هذه النفس.. نريد أن تنمو شجرة التسامح، شجرة الاهتمام بالخير، شجرة التقرب إلى الله.. نريد أن نسقيها، ونريد أن نطرد من أنفسنا داء الشح والأثرة والأنانية.
فالذي يقوم بمساعدة يتيم أو أرملة أو مسكين أو فقير أو معاق.. يكسب أكثر من الذي يلتقي المساعدة بكثير، ومهما أنفق من شيء فسيعوضه الله عليه في الدنيا، ويزيد على أن يربح شيئًا معنويًا في روحه وفي نفسه، وهناك أجر كبير جدًا ينتظره في الآخرة، ويجب أن نكون على يقين بهذا؛ لأن التجارة مع الله رابحة دائمًا، بل ربحها مضاعف أضعافًا كثيرة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أبو حسين
عضو فعال
عضو فعال
أبو حسين


ذكر عدد الرسائل : 73
البلد : جباليا
المسجد : العمري
تاريخ التسجيل : 16/12/2007

أدب الزمان Empty
مُساهمةموضوع: رد: أدب الزمان   أدب الزمان Emptyالأربعاء 02 يناير 2008, 2:01 pm

مقاومة محورية المال


يلاحظ في زماننا هذا أن المال صار هو المحور، وصار عدد كبير من الناس يقولون: "معك قرش تساوي قرشًا، ما معك قرش لا تساوي قرشًا"! وهذا نشأ من كثرة الأمور التي لا يمكن الحصول عليها إلا بالمال، وعلى مدار التاريخ كانت معظم الأمور يحتاج الحصول عليها إلى المال، لكن هذه الأمور الآن التي انتقلت من كماليات إلى حاجيات أو ضروريات.. كثرت إلى حد بعيد مما ولّد هذا الانطباع لدى الناس.

وهناك عامل آخر وهو أن الأنشطة التي يمكن أن تشبع رغبات الإنسان، وتشبع حاجاته، ويحقق من خلالها ذاته.. هذه الأنشطة صارت ضعيفة في حياة كثير من الناس
. فأناس كثيرون يتحركون من الوظيفة إلى البيت، ويجلس في البيت أمام التلفاز ساعات، وقد يذهب إلى صلاة الجماعة، أو لا يذهب، وبعد ذلك قد يقوم بزيارة لصديق أو لا يقوم، وأخيرًا يذهب إلى فراشه لينام، ثم يستيقظ لمثل هذا الأمر، وقل مثل هذا عن التاجر وعن المزارع..

وحتى نخفف الطلب على المال نحن في حاجة إلى إثراء الأنشطة الحياتية،
والأنشطة الدعوية، والأنشطة الأدبية، والأنشطة الروحية، والأنشطة الاجتماعية، وحتى الهوايات نفسها تطرد شر الفراغ عن الإنسان، وأحيانًا يتعلم منها مهارة، وفي الوقت نفسه تخفف عن الإنسان شدة طلبه للمال.

ويثير طلب المال الحقد والحسد، ويحرّض على دفع الرشوة، أو قبولها، وقد يحرض على أمور أخرى سيئة..
وهذا لأن الناس يشعرون أن المال ضروري وأساسي في حياتهم، ويشعرون بأن ما نالوا منه هو أقل مما يستحقون، وأقل مما يحتاجون.. والمعروض دائمًا هو أقل من المطلوب، وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى ثالثًا" أي: بحث عن وادٍ ثالث، مع أن هذين الواديين يقومون بحاجته وزيادة.!

نعم لو كان الفرد يكسب المال من أجل أن ينفع الناس فإن طلب المال في الغالب لا يُثير المشكلات، لكن أين هؤلاء؟ أين هؤلاء الذين يبذلون جهدهم، ويبذلون أوقاتهم في سبيل أن يكسبوا المال ليتصدقوا به.. إنهم نفر قليل، وكما يقولون: "النادر لا حكم له".

فشيء أساسي، وهو أدب من آداب هذا الزمان أن نقاوم محورية المال في حياتنا كأفراد، وحياتنا كمجتمعات، وتتم مقاومتها كما ذكرت عن طريق الإعلاء من شأن الأنشطة الأدبية والروحية والاجتماعية والمهارات والهوايات المختلفة؛ لأن هذه تأخذ حيزًا من الفراغ، وتشعر الإنسان بذاته
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
أدب الزمان
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
المسجد العمري :: المنتدي الترفيهي :: المنتدي التربوي-
انتقل الى: