الجذب والإقناع

الجذب والإقناع

قد صار شعور الناس بأن يكون لهم رأي مستقل قويًا جدًا في زماننا هذا، وصارت حساسيتهم نحو النقد، ونحو الضغوط التي تمارس عليهم كبيرة. وصارت مساحات حرياتهم الشخصية تتسع على نحو مستمر أيضًا. والنموذج الغربي في هذا الشأن حاضر وضاغط كما تشاهدون في كل مكان.. إن هذه الوضعية تتطلب منا أن نعتمد أسلوب الجذب والإقناع والتفاوض والحوار، عوضًا عن الإكراه، وعن الإملاء، وعن القسر والإجبار. نحن في حاجة إلى هذا في تعاملنا مع موظفينا وزملائنا وطلابنا وأبنائنا وزوجاتنا، ومع الناس كلهم..
نحن في حاجة إلى أن نغير في سلوك الناس ومواقفهم غير الصحيحة عن طريق الجذب، وليس عن طريق الدفع أو الإجبار أو الإكراه.
الإسلام نفسه هو مجموعة قيم، مجموعة مبادئ، وقد ثبت أن القيم لا تفرض، فقد قال جل وعلا: {لا إكراه في الدين}.
وكان العوام يقولون: "كل شيء يمكن أن يكون غصبًا، لكن أحببني غصبًا.. هذا لا يكون، قدرني غصبًا.. هذا لا يكون، شجعني غصبًا.. لا يكون، اخش الله غصباً.. لا يكون".
لا يمكن الآن أن نعتمد على أسلوب الإكراه في تغيير أنماط حياة الناس، لا بد من أن نعتمد على الجاذبية؛ فالقيم لا تفرض، ولكن تجذب.
وتجذب القيمة الآخرين عندما تتجسد في السلوك، وتتجسد في القدوة، وفي النموذج، وفي الأسوة.. فنحن إذا عِشنا بين قوم كرماء نصبح مثلهم ونتأثر بهم وبكثير منهم، وهذه المخالطة أفضل من أن نقرأ كتبًا عن الكرم.
عندما نقول: "نحن لن نمارس شيئًا من السلطة أو شيئًا من الإكراه على الناس.." قد يبدو موقفنا الاجتماعي وكأنه هشّ، ونشعر به كأنه ضعيف، ونشعر بعدم الأمان، وقد يكون شيء من هذا صحيحًا في بعض الأحيان، لكن على نحو عام، فإن الموقف الذي ينشأ عن الجاذبية، وعن القناعة يكون أقوى وأمتن، ويمكن الاعتماد عليه.
يتحمل الإنسان المقتنع مسؤوليات قناعته، ويدعي الذي يتصرف نتيجة إكراه أنه فعل ذلك مكرهاً، وأن عليه أن يتخلص مما أكره عليه حين تسنح له الفرصة، ولذلك إذا أردنا أشخاصًا مسؤولين عن أعمالهم فليكن لدينا أشخاص أحرار.

الاختصاص

من أدب الوقت أن يكون للواحد منا اختصاص واهتمام بأمر ما، والاهتمام دائمًا يصنع الاختصاص. ويظن بعض الناس أن الاختصاص هو ما ندرسه في الجامعات فقط، إن هذا هو الأساس، لكن أيضًا هناك متخصصون صنعوا اختصاصاتهم باجتهادهم الخاص، وبقراءاتهم الحرة وممارساتهم الإضافية.
ويعني الاختصاص أن نركز جهودنا في متابعة أمر من الأمور، وأن نعطي هذا الأمر شيئًا من أوقاتنا الأساسية، وشيئًا من وقت فراغنا..ونحن نعتقد أن العلوم لا تتقدم إلا من خلال الاختصاص؛ لذلك فإن المختصين في كل علم لهم فضل على ذلك العلم، ولهم فضل أيضًا على الأمة.. وكما أشرت قبل قليل إن الأمم لا تتقدم إلا من خلال إنتاج أفكار وأشياء وسلع متقنة، وهذا الإتقان غالبًا لا يكون إلا من وراء الاختصاص.